الدولة المصرية عندها انفصام في الشخصية

الدولة المصرية عندها انفصام في الشخصية

بقلم د.محمد ابو الغار ١١/٣/٢٠٠٧
أتعجب هذه الأيام من تصرفات الدولة المصرية التي أعتقد أنها تحتاج إلي رعاية طبيب نفسي لتصرفاتها الغريبة، والتي تنم عن تصرفات لو صدرت من مواطن مصري فربما يطلب أهله الحجر عليه أو وضعه تحت الملاحظة، وإليكم بعض أعراض المرض.

تقول الدولة نريد ديمقراطية وتغير إشراف القضاء علي الانتخابات حتي تزور الانتخابات بسلاسة ويسر، وتقول إنها سوف تلغي قانون الطوارئ فتضع قانوناً يقيد الحريات ببنود الدستور.

تصمم الدولة علي عدم قيام أحزاب لها صبغة أو مرجعية دينية، وهذا منطقي، ولكنها في الوقت نفسه لا تريد إرجاع المادة الثانية إلي نصها الأصلي السابق الذي يقول إن الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي من مصادر التشريع، وهذا هو الفارق بين من شرعوا الدستور عام ١٩٢٣ من الفقهاء الدستوريين ذوي الثقافة الموسوعية والفكر العظيم، حين كان الفقهاء ليسوا خدماً ولا شماشرجية عند السلطان. واضح من النص الحالي أن إقامة حزب إسلامي يتماشي مع نص وروح الدستور، ولكن الدولة تريد أن تحارب الإخوان من ناحية وتزايد عليهم في الوقت نفسه ولذا كان الأمر هزلياً.

والأمر نفسه بالنسبة للمواطنة وحقوق الإنسان، وهي أمور بديهية في أي دولة حديثة، ولكن المشكلة أن الدولة لا تريد أن تسمع هذه الكلمة الكريهة «حقوق الإنسان»، لأنها تكدر صفو جميع المسؤولين كل يوم بسبب ما يقومون به ضد الإنسان، ولكن الدولة لا مانع عندها من إضافة المواطنة فهي كلمة رائعة، ولكنها فضفاضة ويمكن بسهولة تفريغها من معناها دون أن يتساوي المواطنون في نص الدستور، ودون أن تكون حقوق الإنسان مصانة.

ولم يكن غريباً أن يحكم أحد القضاة بنص المادة الثانية من الدستور مباشرة والذي تستمد من روحه القوانين.

انظر إلي سياسة وزير المالية، هي سياسة واضحة، سواء وافقت عليها أو اعترضت، يصدر قانوناً للضرائب أعطي فرصة للممول الجاد أن يدفع ضرائب دون مشاكل، وملأ الصحف إعلانات بذلك، وفجأة قررت الدولة المصابة بالشيزوفرينيا تبويظ وهدم الثقة تماماً في السياسة الضرائبية بتحويل صاحب جريدتي صوت الأمة والدستور إلي النيابة بعد أن رفض بيع الصحيفتين، ومنع رؤساء التحرير من الكتابة، وذلك بدعوي التهرب الضريبي، وتم عمل تمثيلية لم تخل علي أحد بأن وضعوه وسط باقة من رجال الحكومة. بهذه الحركة البلدي أضاعت تصرفات الدولة خطة الوزير وبدأ الممولون يخافون من أن الوزير يمكن أن يخضع للضغوط وهكذا بدأ الشك وعدم الأمان وعدم الثقة وراحت دعاية الوزير في خبر كان.

شيء آخر يقابل المسؤولون المصريون الرسميون والحزبيون علي جميع المستويات أعضاء الكونجرس الأمريكي في مصر وفي خارج مصر، ولكن إذا تحدث عضو واحد من المعارضة أو المستقلين مع الأمريكان أو الاتحاد الأوروبي بأي صورة من الصور تصاب الدولة بحالة أرتيكاريا حادة لا حل لها، إنه الانفصام بعينه، ونحن نحدثهم أما أنتم فممنوع، لأننا المصريون الحقيقون، أما أنتم فالمصريون المزورون، نحن الأمناء علي الوطن، وأنتم تفوح منكم رائحة الخيانة والعمالة.

ينصح الرئيس مبارك الرئيس بوش بعدم دخول حرب العراق، لأنها سوف تكون كارثة علي الجميع بمن فيهم الأمريكيون، ويقتل السفير المصري في بغداد، وفي الوقت نفسه يقدم مبارك وساماً للجنرال المسؤول عن أمن السفير المصري بصفته الحاكم الفعلي، وقائد الجيش الذي نصح مبارك رئيس جمهوريته بعدم شن هذه الحرب، إنه فعلاً تناقض أن تنصحه بعدم دخول الحرب وحين لم يستمع لنصيحتك ودخل الحرب تعطيه وساماً.

نعلن أننا ضد التطرف الديني والدولة الدينية ونترك شيخ الأزهر وهو الشخصية الحكومية التابعة بالكامل للدولة بإثارة فتنة جديدة بأن يرفع قضية علي نوال السعداوي علي رواية لم يقرأها عشرة أشخاص بدلاً من أن يرد عليها، ويفند أخطاءها بالحسني، ثم بعد أن تقع الفأس في الرأس وينقلب العالم كله علينا أن نبحث عن حل للمشكلة ولا نتعلم، حدث هذا مع نصر أبوزيد، ثم صدر الحكم بالسجن أربع سنوات علي شاب من المدونين بتهمة ازدراء الأديان والرئيس، هل هذه دولة تقول إنها مدنية، ماذا تفعل إذن الدولة الدينية؟

أدعو حكامنا العظام بالجلوس إلي أنفسهم والتفكير هل هم فعلاً متوافقون مع أنفسهم، أم أنهم يفعلون ما لا يؤمنون به لأسباب صغيرة، وإذا كانوا متوافقين مع أنفسهم، أنصحهم بالتحدث إلي طبيب نفسي، وإذا كانوا لا يفهمون حجم الكارثة التي يقومون بها، فلا غبار عليهم، وعموماً سوف نذهب سوياً في الباي باي تحت حكم الدولة الدينية التي قاموا بتأسيس قواعدها.